السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
سادت في مجتمعاتنا أفكار ومفاهيم كثيرة خاطئة ... من بينها : فكرة أن الذوق والإتيكيت هو فنّ إذا أردنا تعلمه فعلينا تقليد الغرب ! علماً أن هذا الفن علمنا إياه الإسلام وعلمنا إياه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ... تابعوا معي الذوقيات التي نبهنا إليها الإسلام وسترون العَجَب !
الذوق مع الوالدين : * بفرض أنك أحضرت معك إلى البيت طعاماً طيباً تحبه ، ربما نفسك الأمارة بالسوء ستقول لك : لا تُرِ الطعام لأهلك خشية أن يأكلوا منه ويقاسموك فيه ولا يبقى لك منه شيئاً !!! تحدث هذه الظاهرة أحياناً مع البعض للأسف !
لكن هل هذا يُعتَبر من عقوق الوالدين ؟ لا ليس عقوقاً لهم ولكنه يعتبر من قلة الذوق ومن قلة الأدب معهم أليس كذلك ؟
انظروا إلى موقف الإسلام من الذوق مع الوالدين :
بالتأكيد كلنا نعرف قصة الصحابي الذي حضرته الوفاة وقال له الصحابة من حوله : أُنطق بالشهادة ، فلم يستطع النطق بها ! مع أنه صحابي على زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ! فنادى الرسول عليه الصلاة والسلام أمّ هذا الرجل فأخبرته أن ابنها كان يأتي بفاكهة طيبة فيخفيها عليها ويطعم منها زوجته وعياله ! أي أنها لم تَقل أنه عاقّ بها وإنما هي قد استاءت من تصرفه هذا الذي يعتبر من سوء الأدب مع الوالدين فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أمر بإضرام نار ليُلقى بها الرجل - من أجل أن يحن قلب أمه عليه - فقالت لهم أمه أنها سامحته فعلى الفور نطق ابنها بالشهادة وتُوُفِّي ...
* إذا نادتك أمك وأنت تصلين فماذا تفعلين ؟ أكثرنا إذا لم يكن كلنا سيكمل صلاتَه دون اكتراث قائلاً بأن الصلاة أهم ، أليس كذلك ؟
لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمرنا بهذا لأن إكمال الصلاة دون الاكتراث بنداء الأم هو من قلة الذوق ومن قلة الأدب مع الأم أن تنادينا فلا نأبه لندائها :
باب كامل في صحيح البخاري عنوانه : إذا دعت الأم ولدها في الصلاة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نادت امرأة ابنها وهو في صومعة قالت يا جريج قال اللهم أمي وصلاتي قالت يا جريج قال اللهم أمي وصلاتي قالت يا جريج قال اللهم أمي وصلاتي قالت اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في وجوه المياميس ( الزانيات ) وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم فولدت فقيل لها ممن هذا الولد قالت من جريج نزل من صومعته قال جريج أين هذه التي تزعم أن ولدها لي قال يا بابوس من أبوك قال راعي الغنم " رواه البخاري
إذاً فمن الذوق مع الأم إذا نادت ابنها وهو يصلي أن يسلّم ويجيب نداء أمه
* حتى أن الإسلام علّمنا أدب وذوق الاستئذان على الوالدين في غرفة نومهم
قال تعالى في سورة النور :
" ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة
العشاء
الذوق مع الزوجة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
* نسمع أو نشاهد رجلاً يأخذ لقمة بالشوكة ويضعها في فيّ امرأته فماذا يكون ردنا إذا شاهدنا ذلك : يا سلام على الذوق والإتيكيت !
لكننا لا يخطر ببالنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد علمنا هذا الذوق !
قال رسول الله صلى الله عليه مخاطباً أحد الصحابة :
" لست بنافق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا آجرك الله بها حتى اللقمة تجعلها في فيّ امرأتك " رواه مسلم
* المرأة في وقت المحيض تحدث عندها تغيرات فيزيولوجية ونفسيّة كثيرة لذا ففي هذه الفترة بالذات تحتاج المرأة إلى التعامل اللطيف معها لأنها تميل قليلاً إلى التوتر والغضب في فترة الحيض وهذا طبعاً أمر أثبته العلم ...
فلنرى كيف كان تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم وذوقه مع زوجاته خاصة أثناء هذه الفترة التي تحتاج المرأة فيها إلى السكن النفسي ولنرى ذوقه عليه الصلاة والسلام :
" تقول عائشة رضي الله عنها : كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب " رواه مسلم
ما رأيكم بهذا الذوق الرااائع اللطيف ! سبحان الله ... علّمنا ديننا كل شيء حتى أدق الأمور لكننا للأسف نفتقد التطبيق !
* من الذوق مع الزوجة الحفاظ على أناقة مظهره أمامها وأن يتزين لها ليس أن يطلب منها فقط هذا الأمر دون أن يفعله هو ...
عبد الله بن عباس رضي الله عنه هذا الصحابي الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً : اللهم فقهه في الدين ماذا يقول :
" إني أحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين هي لي "
* من سنن الاستئذان على أهل البيت أن يدق الباب وينتظر قليلاً ثم يفتح الباب ويدخل حتى وإن كان من أهل البيت وذلك من أجل سببين : أن يعطي زوجته فرصة لكي ترتب نفسها قليلاً والسبب الثاني : أن يجعلها تشعر بأنه يثق بها فهو لا يدخل فجأة عليها دون استئذان فربما هذا التصرف يجعلها تشعر بأنه لا يثق بها .
وكلا السببين يدلان على الذوق الرفيع الذي علمنا إياه الإسلام
ذوق الزيارة : * عدم الذهاب بدون موعد :
يقول تعالى في كتابه الكريم في سورة النور :
" يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها "
تستأنسوا هنا معناها : تتأكدوا أنهم مستعدون لاستقبالكم
ولن يتم هذا التأكد إلا بأخذ موعد ...
* ومن الذوق ألا نتضايق إذا لم يأذن لنا من نريد الذهاب إليه
يقول تعالى أيضاً في سورة النور :
" وإذا قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم "
* نكمل ذوقيات الزيارة :
مثلاً : اتصلت بالهاتف وأخذت موعد وأذنوا لك وذهبت لكن من قلة الذوق أن تقف أمام الباب مباشرة بل الوقوف على جنب الباب
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر " رواه أبو داوود
نتابع :
* وقفت بجانب الباب الأيمن أو الأيسر ثم ستدق الجرس ( ستستأذن ) فمن قلة الذوق أن تضع يدك على الجرس مثلاً ولا تبعدها حتى يفتحوا لك الباب !
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
" من استأذن ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع "
* ومن السنة أن ننتظر قليلاً بين المرة والأخرى لكي نعطي فرصة لصاحب البيت أن يكمل صلاته إذا كان يصلي أو أن يستر نفسه أو ما شابه ...
فإذا لم يفتحوا الباب بعد ذلك فنذهب ، لا تبقى تدق وتدق كثيراً قائلاً : لن أمشي حتى يفتحوا فأنا أرى خيال أحدٍ بالداخل !!!
* نكمل : أسرع أحد أهل البيت لفتحه قائلاً : مَنْ ؟ فهناك الكثيييييير ممن يقول : أنا ! وهذا الرد ليس من الذوق أليس كذلك ؟
لقد نبهنا الإسلام حتى إلى هذا الأمر الذوقي البسيط في الاستئذان وأمرنا أن نقول اسمَنا .
* قلنا اسمنا فُتِح الباب دخلنا و أغلقنا الباب بعنف فاهتزّ البيت من هول هذا الإغلاق ! هذا التصرف ليس من الذوق أليس كذلك ؟
انظروا كيف علمنا الإسلام أن من الذوق أن نتصرف برفق
يقول صلى الله عليه وسلم :
" إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه " رواه مسلم
* ومن قلة الذوق أن تعِد أحداً بأنك ستأتي إليه لوحدك فيُفاجأ بأنك تأتي ومعك صديقك مثلاً فالذوق لا يؤيد هذا التصرف و قد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم ذوق عدم إحضار من لم نأذن له سابقاً ففي إحدى المرات دعا صحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام هو وأربعة من الصحابة وعندما كانوا في طريقهم إليه فجاء معهم رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الذي دعاهم : إنّ هذا قد تبعنا فإن شئت أن تأذن له فأذن له وإن شئت أن يرجع رجع فقال لا بل قد أذنت له "
* دخلت ، تريد أن تجلس ، فمن الذوق أن تجلس في المكان الذي يشير إليه صاحب البيت لك فتقف وتنتظره حتى يشير إليكَ بالجلوس في مكانٍ ما
" ولا تقعد على تكرمة أحد إلا بإذنه " رواه أبو داوود
( تَكرِمة = سرير ) أي لا تجلس على ما يخص الغير إلا بإذنه .
* ومن الذوق في إعطاء المواعيد عدم التأخر - وهذا ما يقع به أغلب الناس - وللأسف الشديد جداً : عندما يكون الإنسان ملتزماً بمواعيده يُقال : وعد أميركي أو إنكليزي !!!! وإذا كان يتأخر عن مواعيده يقال عنه : عربي !!!
يا للعجب
مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام نبهنا تنبيها شديداً لهذه الناحية ، حيث وصف مخلف الوعد بأنه يحمل صفة من صفات المنافقين ، ولا أعتقد أن أحداً منّا يرضى أن تكون به هذه الصفة :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان " رواه البخاري
آداب الزيارة ليتنا نتعلمها ونعلمها لأبنائنا وأهلنا وأصدقائنا
ذوقيات اجتماعية : * من الذوقيات الاجتماعية ألا يتكلم اثنان مع بعضهما بصوتٍ منخفض وثالثهما واقف بقربهما لكي لا يشعر هذا الشخص بالإحراج أو الدونيّة ..
" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتناجى اثنان دون الثالث إذا لم يكن معهم غيرهم " رواه أحمد
كم مرة تعرضنا لمثل الموقف السابق ؟ بالتأكيد تعرضنا كثييييييراً لمثل هذا الموقف ...
أترون موقف الإسلام الرائع من هذا الأمر !
* من الذوقيات الاجتماعية اللطيفة التي دعا إليها الإسلام : طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق " رواه مسلم
* من الذوق أن نتكلم بصوتٍ واضح مفهوم لا أن نتكلم بصوتٍ لا يسمعه أحد غيرنا ! ونتعجب من طلب الإعادة !
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان كلام رسول الله كلاماً فصلاً يفهمه كل من يسمعه " رواه أبو داوود
* من الذوقيات الرائعة التي نفتقد إليها في زمننا إصغاء الجليس لحديث جليسه ( طبعاً إذا لم يكن الحديث بحرام ) :
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " استنصتِ الناس " ( أي مُرهم بالإنصات ) متفق عليه
ذوقيات الطريق : * من آداب وذوقيات الطريق مساعدة من ثَقُل عليه حمله في نقل هذا الحمل و عدم رمي القمامة في الطريق
وأن نسرع إلى إماطة ما رُمي من أوساخ تؤذي العين من منظرها أو تؤذي أحد المارة كقشرة الموز مثلاً !
فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
" ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة " رواه البخاري
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم :
" الإيمان بضع و سبعون باباً أدناها إماطة الأذى عن الطريق " رواه الترمذي
أي أن الإسلام جعل ذوق المحافظة على نظافة الطريق جزءاً من الإيمان فتخيّلوا عظمة هذا الدين !
* ومن ذوقيات الطريق عدم الجلوس في الطرقات لأنها بالفعل عادة الجلوس في الطرقات عادة سيئة
توحي بأن الجالسين إنما جلسوا لينظروا ويراقبوا الآتي والذاهب ! وكأنهم لا شغل لهم ولا شاغل !
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
" إياكم والجلوس بالطرقات فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال إذ أبيتم إلا
المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " رواه البخاري
الحمد لله على نعمة الإسلام ...
واللهِ لو بلغت حلقات هذه السلسلة مئة حلقة لما وفّيتُها حقها ...
وسلام على المرسَلين والحمد لله رب العالمين ..
ملاحظة هامة : السلسلة من أولها لآخرها سمعتُها من CD للأستاذ عمرو خالد